علم اجتماع الجريمة
خطأ: لا توجد وحدة بهذا الاسم "Unsubst". خطأ: لا توجد وحدة بهذا الاسم "Unsubst".
خطأ: لا توجد وحدة بهذا الاسم "بطاقة". خطأ: لا توجد وحدة بهذا الاسم "Unsubst". علم الاجتماع الجريمة أو علم الاجتماع الجنائي هو أحد تخصصات علم الاجتماع الذي ظهر منذ منتصف القرن التاسع عشر على يد مجموعة من علماء الإجرام مثل انريكو فيري ، فيرى كتليه لا كساني وجيري وغيرهم ويدرس هذا التخصص الجريمة والانحراف من الناحية الاجتماعية بمعنى انه يهتم بتوضيح العلاقة الموجودة بين ظاهرة الجريمة وبين الظروف الاجتماعية التي تدفع بالأفراد الى ارتكاب الجريمة واتيان سلوك مناف للقواعد العرفية التي يسير عليها المجتمع.[١]
نشأة علم الاجتماع الجريمة[عدل]
تعتبر ظاهرة الجريمة ظاهرة اجتماعية قديمة لم يخل أي مجتمع منها، ولم تكن هناك دراسات بالمعنى العلمي حتى القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، كل ما كان موجودا كان مجرد أراء وأفكار سطحية لمعرفة أسباب الجريمة. أما دراسة الجريمة كظاهرة اجتماعية فترجع إلى الفرنسي جيري والبلجيكي كتيلية. تناولت دراسة جيري عام 1833م أثر الجنس والسن والدرجة التعلمية والمهنة والطقس وفصول السنة على ارتكاب الجريمة، والأسباب والدوافع التي أدت إلى ارتكابها. وقد اعتمد على الأسلوب الإحصائي في دراسته.[٢] كما قام جيري بدراسة أخرى قارن فيها بين إحصاء المجرمين في فرنسا وبريطانيا وتوصل إلى النتائج التالية: إن الإجرام لا يتغير تغيرا ملحوظا من مجتمع إلى آخر من حيث عدده ودوافعه. أن الجهل ليس سببا مطلقا ومباشرا للجريمة، بل إن بعض الجرائم تتزايد تدريجيا مع تزايد التعليم. أسباب الجريمة المختلفة تتكرر سنويا وحسب النظام نفسه. ليس من الضروري أن يكون الفقر سببا للجريمة، بل قد تكون الرغبات الجامحة والاختلال في حياة الإنسان هما السبب الأساسي في الجرائم أما كتيلية فقد استخدم الإحصاء الفرنسي عام 1835م لاستنتاج بعض العوامل الطبيعية المؤثرة على ظاهرة الجريمة، وهي الجنس، السن، الحالة الاجتماعية والطقس. ومن نتائج دراسته التي توصل إليها أن الظواهر الاجتماعية وظاهرة الإجرام كإحدى هذه الظواهر الاجتماعية تخضع لنفس القواعد العامة للظواهر الطبيعية. وفي أواخر القرن التاسع عشر الميلادي ظهرت المدرسة الوضعية الإيطالية وتزعمها لومبروزو. وقد ذكر أن سبب الجريمة يكمن في تكوين الفرد. وخرج نتيجة لدراسات لومبروزو علم جديد سمي علم الأنثروبولوجيا الجنائي.[٢] ومن نتائج دراساته أن قسموا المجرمين إلى طوائف بحسب درجات النقص التكوين والخلقي والنفسي. وقد تعرضت النظرية لنقد شديد لإهمالها العوامل الاجتماعية، ومن مؤيدي هذه النظرية إلا أنه اهتم بإبراز العوامل الاجتماعية فيري رائد الاتجاه الحديث للمدرسة الوضعية.
ظهور علم الاجتماع الجريمة[عدل]
ومنذ وقت فيري وكتيلية تأثرت المدرسة الفرنسية التي تدور حول المجرم والجريمة بعلماء اجتماعيين منذ نهاية القرن التاسع عشر. كذلك أصدر فيري كتابا ذكر فيه الخطوط الأولى لعلم الاجتماع الجنائي حيث كان عنوانه في طبعته الثالثة علم الاجتماع الجنائي. وقد عرفه بأنه العلم الذي يدرس الإنسان المجرم، والجريمة ووسائل الوقاية منها ورد فعل المجتمع بالنسبة للجريمة. وتبع فيري الكثير من العلماء إلا أنهم درسوا الظاهرة الاجرامية من الناحية الداخلية والخارجية إلى أن أتى دوركهايم في دراسته حول جريمة الانتحار. اعتمد دوركهايم على الإحصاء الجنائي وأوضح أهمية العوامل الاجتماعية في التأثير على الإقدام على الانتحار مهملا العوامل الداخلية. وقد أيده في ذلك العالم الإيطالي جيرلاند، حيث ذكر أن علم الاجتماع الجنائي ينحصر في دراسة العوامل البيئية الخارجية لظاهرة الجريمة دون التعرض للعوامل الداخلية. وظهرت العديد من النظريات المفسرة للسلوك الإجرامي عندما أصبح علم الاجتماع الجنائي يدرس في كثير من الجامعات في نهاية القرن التاسع عشر: نظريات بيولوجية. نظريات نفسية. نظريات اجتماعية. صلة علم الاجتماع الجنائي بالعلوم الأخرى بحث علماء كثيرون من ذوي الاختصاصات المختلفة في ميدان علم الاجتماع الجنائي وبذلك اختلف كثير منهم في نسبه إلى علم معين. فعلماء الإجرام وعلماء القانون اعتبروه فرعا من علم الإجرام حيث أنهم يرون أن علم الجريمة مجموعة الدراسات التي تدور حول الجريمة ويتفرع إلى فروع: علم الإجرام. وقسم إلى علم إجرام فردي (يدرس أسباب الجريمة من الناحية الفردية وهو علم البيولوجيا الجنائي وعلم النفس الجنائي) وعلم الاجتماع الجنائي (يدرس أسباب الجريمة من الناحية الاجتماعية). علم العقاب.[٣] علم التحقيق الجنائي. كذلك نسب علماء الاجتماع علم الاجتماع الجنائي إلى علم الاجتماع واعتبروه فرعا من فروعه. علم الاجتماع الجنائي كما يراه علم الإجرام فرع من علم الجريمة يستعين بعدد من العلوم الطبيعية مثل علم الطب، الطب النفسي والعقلي، علم وظائف الأعضاء، علم الوراثة وعلم الكيمياء. في حين أن دراسة الجريمة كظاهرة اجتماعية تجعل علم الاجتماع الجنائي يستعين بالعلوم الإنسانية الأخرى كعلم الاقتصاد، علم الجغرافيا وعلم السياسة. ويعتبر علم الاجتماع الجنائي اليوم من أكثر فروع علم الإجرام أهمية بعد أن أشتهر مبدأ الأخذ بالعوامل الاجتماعية كسبب حاسم للجريمة وعند بعض علماء الاجتماع أنها هي السبب الوحيد لذلك.
المفاهيم الأساسية[عدل]
يتضمن علم اجتماع الجريمة العديد من المفاهيم العلمية التي تدخل ضمن مجموعة من الحقول المعرفية و العلمية مثل القانون وعلم النفس والتي يمكن تحديدها كالتالي: مفهوم الجريمة، مفهوم الإنحراف، مفهوم الجنوح.
ماهية السلوك الإجرامي[عدل]
إن موضوع تحديد ماهية ظاهرة الجريمة حظي باهتمام وافر من قبل العلماء في مجالات عدة على رأسها علم الاجتماع الجنائي وعلم الإجرام، مما أسفر عن وجود العديد من التعاريف التي اختلفت إما من حيت الاهتمام (سلوك إجرامي أو مجرم أو أنظم ومؤسسات عقابية) أو من حيث الزاوية التي تناول منها العلماء وأبحاث هذا الموضوع ( إجتماعية، قانونية، أخلاقية، دينية).[٤] إن مثل هذا الإختلاف في الاهتمامات والتوجهات من قبل العلماء في مجال تعريف وتفسير الجريمة قد يرد الى عوامل عدة من أهمها تعدد أبعاد هذه الظاهرة باعتبارها افرازات لعوامل متعددة تأثر وتتأثر بجوانب إجتماعية و ثقافية وقانونية مختلفة،[٥] إضافة الى اختلاف وحدة الإهتمام التي تناولها هؤلاء الباحثون والعلماء، فمنهم من اهتم بالمؤسسات والنظم العاملة على مكافحة الجريمة، ومنهم من اهتم بالأفراد، في حين ركز آخرون في دراسات للجريمة على الإتجاهات السلوكية حيال المجرم والجريمة، وآخرون درسوا نمط معين من السلوك الإجرامي كتعاطي المخدرات أو الانتحار أو الرشوة ...، ومنهم من درس المحكوم عليهم في قضايا معينة فقط، وآخرون درسوا المتهمين والمحكوم عليهم معا، بل هنالك من اتجه مؤخرا إلى دراسة الضحية بهدف فهم وتفسير الإجرام، وآخرون اهتموا بإجرام الرجال وغيرهم اهتموا بإجرام النساء والفريق الثالث يجمع بين الاثنين، هكذا تتباين أوجه الاهتمام من قبل الدارسين والباحثين مما نجم عنه تباين في النتائج وتعدد في المداخل واختلاف في وجهات النظر والآراء في دراسة هذا الموضوع.
التعريف القانوني[عدل]
يكاد يجمع الفقهاء على اعتبار الجريمة (السلوك الإجرامي): كل فعل أو امتناع عن سلوك أو فعل يجرمه المشرع وينص له قانون يمثل قاعدة جزائية تطبق على الخارجين عنها، ويشترط في الجريمة بهذا المنظور أركان ثلاثة أساسية من أهمها: الركن المادي الذي يشير إلى أن الفعل أو الامتناع له وجوده المادي المحسوس فالأفكار، مثلا، لا تعتبر في القانون الجنائي جريمة، كذلك ركن الأهلية القانونية للفاعل، أي أن يكون من أهل المسؤولية القانونية، ثم الركن الشرعي أو القانوني الذي وفقًا له يتم تحديد أي فعل جرمي.
التعريف الاجتماعي للجريمة[عدل]
ينطلق الاجتماعيون من الانتقادات التي قدمت للتعريف القانوني والتي من أبرزها، إنكار هذا التعريف للأبعاد الاجتماعية للجريمة، وهم (الاجتماعيون) يعتبرون الجريمة ظاهرة اجتماعية، وأن التجريم ليس حكرا على المشرع (القانونيون) بقدر ماهو مستمد من الواقع الاجتماعي بما يحويه من قيم ومعايير اجتماعية. بهذا المعنى تكون الجريمة عبارة عن خروج عن معايير المجتمع أو عن قواعد الإجماع، أي القواعد التي يحددها المجتمع وتحكم سلوك أفراده، أو هي تلك الأفعال التي تمثل خطرا على المجتمع وتجعل من المستحيل تحقيق التعايش والتعاون بين الأفراد الذي يؤلفون المجتمع، أو هي كل مخالفة لمشاعر الولاء الاجتماعي، وهذا ما ذهب إليه كل من " دوركايم " و " بارسونز " عندما اعتبرا الجريمة سلوكا لا معياريا أي منحرفا عن المستوى المعياري في المجتمع.[٦] ولقد وجه لهذا التعريف عدد من الانتقادات من أهمها: أنه يجعل من المجتمع إلاهاً معصوما من الخطأ حين أكد الأخرون به على أن الخروج عن القيم والمعايير يعد سلوكا مجرما لأنه يمثل انتهاك للحدود التي تعارف عليها أفراد المجتمع، وفي الوقت نفسه قد يؤدي العمل بهذا التعريف إلى مشكلة نظرية تتمثل في إشكالية الفصل بين ماهو سلوك إجرامي وبين ماهو سلوك منحرف عن المستوى المعياري والقيمي بالمجتمع، ويرى الباحث أن كل جريمة تمثل انحرافا وليس العكس، فالفارق بينهما تكمن في درجة الخطورة الاجتماعية التي يتضمنها السلوك، الأمر الذي يجعله إما انحرافا أو جريمة أو سلوكا عاديا أو أنه سلوكا مستحبا، وهذه الخطورة قد تقدر بمقدار المتضررين ونوع هذا الضرر، أو بمقدار الخروج والانتهاك للقيم الأخلاقية العامة في المجتمع أو تقدر بالاثنين معا.[٧] أضف، أن التعريف الاجتماعي قد يزيد من نسبة الظاهرة الإجرامية، ومع افتراض أن التحولات العالمية في ظل العولمة وتكون الثقافة العالمية أو عالمية الثقافة والتي سيتحول على إثرها العالم إلى أقرب درجة من التجانس الثقافي والأخلاقي والاجتماعي، مع افتراض ذلك كله، لا يمكن الجزم بأن العالم سيشكل في الأيام واقعا اجتماعيا واحدا، وستبقى هنالك فوارق تؤثر في نسبية الجريمة إذا ما اعتمدنا التعريف الاجتماعي وحده في تحديد ماهية السلوك الإجرامي.
التعريف التكاملي[عدل]
من التعريفات السابقة انقسم العلماء إلى فريقين، الأول، عاد يؤكد على التعريف القانوني للجريمة، مفندين تلك الانتقادات التي حكمت على المحاولات العلمية الأخذة من المدخل القانوني لدراسة الجريمة بأنها دراسات غير علمية. أما الفريق الثاني فهم جملة العلماء الذين حاولوا التوليف أو الجمع بين التعريفين السابقين ( القانوني والاجتماعي)، ليصبح السلوك الإجرامي عبارة عن: كل فعل ذا بعد مادي خارج بوعي عن القواعد القانونية الجنائية المعمول بها في المجتمع، وبهذا الخروج مساس بالمجتمع في أمنه وسلامة أفراده ومؤسساته وقيمه وأخلاقه. ومن هذا المنطلق تعرف الجريمة على أنها " كل فعل يعاقب عليه القانون وينتهك القيم والمعايير الاجتماعية السائدة انتهاكا صارما يتجاوز حدود التسامح الممكنة ". على هذا النحو، حاول المنتمون للتعريف التكاملي عدم إهدار المعنى القانوني و الاجتماعي للجريمة وكذلك عدم إنكار دور المصدرين في تجريم أو إباحية أي سلوك. من هنا اشتق بعض العلماء فكرة الفصل بين نوعين من الجرائم الطبيعية والجرائم المصطنعة. فالأولى تعني تلك السلوكيات التي تعارفت سائر المجتمعات الإنسانية على تجريمها، أما الجرائم المصطنعة فهي تلك السلوكيات التي عادة ما تتباين المجتمعات الإنسانية في موقفها، فمنها ما تجرمها ومنها ما لا تعتبرها جريمة، وأخرى تعتبرها انحرافا لا ترقى لمستوى الجريمة في الخطورة الاجتماعية، فالجرائم المصطنعة من خلق المشرع بهدف حماية وحصانة المصالح المجتمعية عموما، وبالرغم مما قد يبدو من تقديم للركن الاجتماعي بهذا الطرح إلا أنه لم يسلم من الانتقادات والتي من أهمها عدم ثبوت وجود سلوكيات جرمت في سائر المجتمعات الإنسانية وعلى مر العصور.[٨]
التعريف الأخلاقي[عدل]
من العلماء الذين قدموا تعريفا للسلوك الإجرامي أولئك الذين نظروا إليه على أنه: " كل سلوك يتضمن تضاد أو تعارض واضح مع الناموس الطبيعي للأخلاق ولقد اختلف هذا الفريق فيما بينهم فيما يخص عدد ونوع تلك القواعد الأخلاقية التي إذ ما خرقت بات السلوك في حكم الجريمة، فمنهم من قال: أن بعض من القواعد الأخلاقية السائدة في المجتمع هي المعيار الأساسي للفصل في مدى تجريم السلوك، والبعض الآخر أكد أن أي قاعدة من القواعد الأخلاقية لها أن تحدد إذا ما كان السلوك إجراميا أو اجتماعيا (مقبول). [٩]
التعريف السيكولوجي للجريمة[عدل]
تعتبر الجريمة في علم النفس إجراء تعبيريا عن موقف، يمكن وصفه بأنه (تضارب سلوك الفرد مع سلوك الجماعة). [١٠] وقد عرف " لاكاش" العالم النفساني[١١] الجريمة بأنها ( التعدي الحاصل من فرد أو عدة أفراد في المجتمع على القيم السائدة والمشتركة الخاصة لهذا المجتمع) والملاحظ أن هذا التعريف يعكس الواقع الإنساني، ولكن لا يحدد المعيار الذي يجعل من التعدي جريمة متميزة عن تلك المواقف الأخرى التي ينتج عنها ضرر بأمن الجماعة أو سلامتها، مما يستدعي مواجهتها بوسائل عقابية رادعة، وفي حالة عدم تحديد هذا المعيار يصبح تعارض بين أعمال وسلوك الفرد وقيم المجتمع جريمة، كما كان عليه الحالة في المجتمعات البدائية، وهذا الموقف يتناقض مع الواقع المعيشي، لأن أفعال عديدة قد تتعارض مع قيم المجتمع. دون أن يتعرض مرتكبوها إلى طرح قيم بالية، والأخذ بقيم جديدة أكثر ملائمة لواقع الحياة، مما يعتبر حركة إصلاح وتطور. والملاحظ أن موقف علم النفس من الجريمة لا يعدو كونه موقفا تحليليا تأمليا، لأنه لم يحدد المعايير النهائية التي تتميز بها الجريمة بحد ذاتها، لتكون موضوعا للعلم الجنائي عن غيرها من الأفعال السلوكية الأخرى الانحرافية عن قيم المجتمعات، والتي قد لا تعتبر بحذ ذاتها أيضا افعالا إجرامية تستدعي الردع والعقاب.[١٢]
التعريف اللغوي للانحراف[عدل]
اِنْحِرافٌ - [ح ر ف]. (مص. اِنْحَرَفَ).."اِنْحِرافٌ عَنِ الطَّريقِ الْمُسْتَقيمِ": الخُروجُ عَنْ جادًّةِ الصَّوابِ، الابْتِعادُ عَنْها، وَالانْحِرافُ مُصْطَلَحٌ في عِلْمِ النَّفْسِ الاجْتِماعِيِّ يَعْنِي الخُروجُ عَنْ ما هُوَ مأْلوفٌ وَمُتَعارَفٌ عَلَيْهِ مِنْ عادَاتٍ وَسُلوك.
التعريف الاجتماعي للانحراف[عدل]
هو كل سلوك يخالف المعايير الاجتماعية وفي حالة تكراره بإصرار يتطلب تدخل أجهزة الضبط الاجتماعي.
المفهوم النفسي للانحراف[عدل]
من حيث المفهوم النفسي فإن المنحرف هو من يعاني اضطرابات و صراعات نفسية يفصح عنها بأشكال من السلوك المنحرف، و بأسلوب يؤذي نفسه أو غيره، و هو بذلك لا يختلف عن المريض نفسيا، و يمثل الانحراف عادة محاولة لحل مشكلة خطيرة أو بعيدة الأثر في نفسية المنحرف، و بعبارة أخرى فإن علماء النفس ينظرون إلى شخصية المنحرف، و ليس إلى الفعل نفسه، و لذلك فهم يفرقون بين المنحرفين المرضى و المنحرفين الأسوياء، على اعتبار أن الانحراف في الحالة الأخيرة مرده إلى المجتمع و ظروفه، و ليس إلى الفرد نفسه، كالذي يقتل أو يجرح شخصا، مثلا، دفاعا عن عرضه لأن الأعراف أو القيم المحلية تدفعه لذلك الفعل، فالانحراف في مثل هذه الحالة هو من وجهة نظر القانون، أو من وجهة نظر المجتمع العام، و ليس من وجهة نظر التكوين النفسي المضطرب أو المختل. و لهذا نجد علماء النفس لا يهتمون بالمنحرفين أو المجرمين الذين لا تعبر جرائمهم عن هذا الاضطراب أو الخلل أو المرض النفسي، لأنهم مجرمون بدون شخصية إجرامية.
- في علم الجريمة والعقاب :
"يعرفه بول ويلبور تابان Wilbur Tappan Paul (1947) بأنه "مجموع المخالفات المرتكبة، والمشهر بها، والمتابعة، والمعاقب عليها، ولا يعتبر جانحا أو مجرما إلا من اعترفت له بذلك المحكمة"، كما يرى أيضا أنه "أي فعل أو نوع من السلوك، أو موقف يمكن أن يعرض أمره على المحكمة ويصدر فيه حكم قضائي"، كما يمثل الانحراف "الفعل الذي يضر بمصلحة الجماعة أو المجتمع، ويهدد كيانه، نتيجة عدم التزام من يأتيه بالقيم والمعايير التي تطبق في المجتمع، والتي تقيمها الجماعة وتحرص للحفاظ عليها. ومعنى ذلك أن الانحراف يتضمن أنماط من السلوك المضاد للمجتمع، ويؤدي إلى الإضرار بالتنظيم الاجتماعي"، من كل ذلك يمكن إعطاء تعريف للانحراف على أنه "اعتداء على قوانين المجتمع، ونظمه بسلوك يعبر عن اضطراب الشخصية (اجتماعيا، ونفسيا)، يدفع إلى الفعل اللاسوي، ويقضي بمعاقبة مرتكبه، ليتم إيداعه بفعل سلوكه ذاك داخل مؤسسة إعادة التربية لإعادة تأهيله".
- دراسات نظرية حول السلوك المنحرف:
يستعمل هذا الاصطلاح في توضيح السلوك الذي لا يتماشى مع القيم والمقاييس والعادات والتقاليد الاجتماعية التي يعتمدها المجتمع في تحديد سلوكيات أفراده. والدراسات النظرية للانحراف تهتم دائماً بالسلوك غير الوظيفي والسلوك الشاذ الذي يتناقض مع الأحكام الاجتماعية والعرفية الضرورية لعملية التماسك الاجتماعي في النظام أو الجماعة. والسلوك المنحرف حسب آراء العالم ام. كلنارد هو السلوك الذي يجلب السخط الاجتماعي من لدن أفراد المجتمع لتحديه العرف والتقاليد الاجتماعية. إن الدراسات النظرية الأصلية التي قام بها توماس هوبز وسكموند فرويد حول السلوك المنحرف تؤكد على أن السلوك المنحرف ما هو إلا صراع بين رغبات وطموحات ودوافع الفرد من جهة ووسائل الضبط الاجتماعي والسلوكي التي يعتمدها المجتمع أو الجماعة من جهة أخرى. و ترتفع نسب السلوك المنحرف بين الأفراد الذين لا يعطيهم المجتمع الفرص الكافية والظروف المساعدة على تحقيق أهدافهم وطموحاتهم خصوصاً عندما يطلب منهم الوصول إلى الأهداف الاجتماعية العليا التي يثمنها المجتمع. نشاهد في جميع المجتمعات وجود نظام معقد ومتدرج من المكافآت والأهداف. فالفرد الذي يناضل من أجل النجاح ونضاله يعتمد على الطرق الشرعية التي يقرها المجتمع يشجع على الاستمرار بهذا العمل طالما ان المجتمع يحترم ويقدر تقدمه هذا. لكن التأكيد المتزايد على تحقيق أهداف معينة كالحصول على الرواتب والأجور العالية بغية الحصول على السمعة والاحترام قد يدفع إلى ظهور حالة لا تستطيع فيها العادات والعرف الاجتماعي ضبط سلوك الفرد. كما هي الحالة في لجوء بعض الأفراد إلى الأساليب اللاأخلاقية للحصول على المادة كقيام بعض الأفراد بالسرقة أو اختلاس الأموال، هذه الأعمال التي تشير إلى السلوك المنحرف الذي لا ينسجم مع أخلاق وعادات المجتمع السوية. إلا أن النظام الاجتماعي الذي توجد فيه درجة عالية من المنافسة بين الأفراد يقود حتماً إلى ظهور حالات مختلفة من السلوك المنحرف أشهرها حالة الجنوح الاجتماعي. لكن العالم ميرتن يميز ثلاثة حالات يندفع الفرد من خلالها إلى تقليل وتخفيض حدة خيبة أمله التي يسببها له نظامه الاجتماعي خصوصاً إذا كان الفرد مضطهداً اجتماعياً، وهذه الحالات الثلاث هي حالة التمسك بالطقوس أي الالتزام المطلق بالأحكام الاجتماعية والتقيد بأهداف المجتمع، وحالة التراجع أي رفض الأهداف الحضارية وطرق الوصول إليها وأخيراً حالة الثورة أي الرد على المجتمع وتحدي قيمه ومقاييسه.[١٣] إن الدراسات التجريبية للانحراف السلوكي والاجتماعي متجهة في الوقت الحاضر نحو دراسة مشاكل اجتماعية معينة مثل الجريمة، الجنوح، تناول المخدرات، الانتحار، الزنا، الطلاق، والصراعات العنصرية. ويختلف مفهوم الانحراف عن مفهوم الجريمة إلا أن مفهوم الانحراف أوسع وأعم من مفهوم الجريمة؛ فالانحراف هو كل أساليب السلوك التي لا تلتزم بالمعايير، أما الجريمة فهي تشير إلي السلوك الذي يخالف المعايير ويعاقب عليه القانون؛ مثلا القتل جريمة لأن القانون يعاقب عليها، أما عقوق الوالدين فإنه انحراف لأنه سلوك لا يلتزم بالمعايير، ومن هنا يمكن القول بأن كل جريمة هي انحراف ولكن كل انحراف ليس جريمة. والانحراف أمر نسبي أي يختلف من مجتمع إلي آخر باختلاف قيم الثقافة؛ فالسلوك الذي يعد منحرفًا في مجتمع ما قد لا يعد منحرفًا في مجتمع أخر، والانحراف أمر نسبي أيضًا في ضوء الموقف الذي يحدث فيه؛ فالقاتل يعد منحرفًا ولكن الجندي الذي يقتل في معركة عدوًا دفاعًا عن الوطن لا يعد منحرفًا، وأيضًا مدمن المخدرات يعد منحرفًا ولكن المريض الذي يعالج بعقاقير مخدرة لتخفيف ألامه لا يعد منحرفًا.
- تعريف الجنوح
المشاكل المرتبطة بالسلوك الاجتماعي(جنوح الأحداث): يتعرض الأطفال لأنواع متعددة من المشاكل المرتبطة بالسلوك الاجتماعي منها السرقة والغش والهروب من المدرسة والتخريب والانطواء والكذب جنوح الأحداث....الخ. ولاشك أن كثيرا من هذه الانحرافات الاجتماعية يرجع إلى المواقف الإحباطية التي يتعرضون لها في حياتهم اليومية مما يسبب عنه الشعور بالاضطراب والقلق الذي يدفع الأطفال إلى التخلص من هذا الشعور المتكرر المتراكم في نفوسهم على شكل أو أكثر من الاستجابات السابقة بعد فشلهم في العمل على الملائمة الاجتماعية السوية بالطرق الطبيعية... ولهذه الانحرافات أسباب قد تكون أخطاء في تنشئة الطفل في الأسرة ومنها قسوة الآباء أو الغيرة أو الكبت المتواصل لرغبات الطفل المختلفة أو التدليل الزائد أو التذبذبات في المعاملة أو لضعف الروابط العائلية مما لا يتحقق معه ما ينشده الطفل من إشباع لحاجته للأمن والعطف والحنان والحب والانتماء والتقدير والنجاح ، وهي من الحاجات الرئيسية للطفل . وقد تكون الأسباب في المدرسة والجو المدرسي الذي تسود فيه المنافسة البغيضة أو التحيز إلى غير ذلك من المؤثرات التي تؤثر في الحاجات الرئيسية للطفل وتؤدي إلى سوء التكيف الاجتماعي والنفسي.
- تعريف الجناح:
هنالك بعض الصعوبة في تحديد هذا المفهوم فالجناح يتصل بشكل أو بآخر بمفهوم الجريمة وبمفاهيم تعني الجريمة من مفاهيم السلوك الإجرامي ويظهر أن إيجاد تعريف شامل لمفهوم الجناح مازال يتعذر تحقيقه وذلك لارتباطه بقضايا علمية واسعة يشارك فيها رجال القانون إلى جانب الأحداث بأرضية علماء النفس والاجتماع والخبراء الأجتماعيين وأطباء النفس والعقل وغير هؤلاء من المفاهيم القانونية التي أبرزها الفقه الجنائي للتعامل مع فئة الأحداث الذين يرتكبون افعالاً مخالفه للقانون.
- تعريف الحدث الجانح:
اختلف مفهوم الحدث باختلاف التخصصات العلمية التي تتناول هذا المفهوم فيعرف علماء اللغة الحدث بأنه الفتى، ورجل حدث أي شاب وينظر علماء الأجتماع والنفس إلى الحدث على انه الصغير منذ ولادته حتى يتم له النضج الاجتماعي وتتكامل له عناصر الرشد. أما علماء القانون فيعرفون الحدث بأنه من بلغ سن السابعة من العمر ولم يبلغ سن الثامنة عشر عاماً وقت ارتكاب الجريمة أو وجوده في إحدى حالات التعرض للإنحراف. وقد حدد علماء الشريعة الإسلامية سن الحدث بسبع سنوات وهي السن الذي يفترض فيها عدم خضوع الحدث للتأديب أو العقوبة أما الحد الأقصى لسن الحدث فقد اختلفت الدولة الإسلامية في تحديده، فهو يتراوح مابين 15-18 سنة وقد يصل في بعض الدول إلى سن 20 سنة.
الاتجاهات والنظريات المفسرة لظاهرة الجريمة[عدل]
لقد بدى جليا اختلاف وجهات النظر حول تعريف السلوك الإجرامي وبينا أن ذلك قد يرد للعديد من العوامل من أهمها اختلاف وحدة الاهتمام بهذه الدراسات، والتباين في التوجهات النظرية. هذا فيما يخص المفهوم، أما فيما يتعلق بالتفسير العلمي، فسوف نتعرض فيما يلي لأبرز التفسيرات التي طرحت لهذه الظاهرة (الجريمة)، ولقد وجدنا منذ البداية عدم التواصف بين العلماء والبحاث في توجهاتهم التفسيرية لهذه الظاهرة مما أدى لتعدد العوامل التي أولوها الاهتمام في دراساتهم تلك، ومن جهة أخرى لم يجد الباحث اتفاقا حول تصنيف وتبويب هذه الإسهامات العلمية، مما قاده للبحث عن تصنيف يسهم في فهم هذه الإسهامات، مستفيدا من جملة ما طُرح في مجال علمي الإجرام و الأجتماع الجنائي أو الجريمي حول هذا الموضوع. ولقد انتهى المطاف إلى تقسيم هذه الإسهامات إلى ثلاثة اتجاهات تفسيرية تشمل: الاتجاه الذاتي: ويضم بعض الطروحات التي قدمت تفسيرات للظاهرة الإجرامية مستمدة من واقع ذوات الأفراد أو من التركيبة الداخلية لهم مثل النظريات التي تنتمي للمدرسة النفسية والبيولوجية، أما الثاني فهو الاتجاه الموضوعي ويشمل عددا من الإسهامات التي اعتمدت على عامل أو أكثر من عوامل البيئة الخارجية عن تركيبة الأفراد الذاتية في تفسير ارتكابهم سلوك إجرامي، ويشمل هذا الاتجاه المدرسة الجغرافية والاقتصادية والاجتماعية والسلوكية الاجتماعية والثقافية الاجتماعية والدينية وتشتمل أغلب هذه المدارس على عدد من النظريات الدقيقة. أما الأخير فهو الاتجاه التكاملي أو الذي تجمع الطروحات المنتمية إليه بين العوامل الذاتية والموضوعية ويشمل هذا الاتجاه عدد من النظريات المفسرة. وفيما يلي عرض موجز لهذه الاتجاهات:
الاتجاه الذاتي في تفسير الجريمة[عدل]
تدخل تحت مظلة هذا الاتجاه العديد من الاسهامات العلمية الطامحة لبلوغ تفسير الجريمة من خلال إماطة اللثام عن العامل، أو العوامل الحقيقية التي كانت وراء ارتكاب الأفراد لهذه السلوكات الإجرامية، ومن أهم المدارس التي تنتمي لهذا الإتجاه، المدرسة البيولوجية، والمدرسة النفسية.
المدرسة العضوية (البيولوجيا):[عدل]
من المنتمين لهذه المدرسة " جوزيف جول " وهو ينطلق من افتراض أن المخ يتأثر بالشكل الداخلي للجمجمة، ولما كان المخ مركز العقل، والعقل يقوم بالعديد من الوظائف، انعكس سلبا تأثر المخ بشكل الجمجمة الداخلي على وظائف العقل؛ ومن هنا اعتقد " جول " أن دراسة أشكال الجماجم البشرية ستساهم في فهم السلوك المنحرف من منطلق أن السلوك صادر عن العقل وأي خلل في الأخير ينعكس على السلوك، ولكن ألا يبدو في هذه النظرة أنها تشائمية؟ وهل يعقل أن يصبح كل من يصيبه نقص معين في تأدية العقل لوظيفته مجرما؟. أما " لمبروزو "، فلقد خلص من أبحاثه التشريحية لجثث آلاف المجريمين للقول: بأن المجرم شخص ورث صفات الإنسان البدائي مما جعله يشبه المخلوق الذي ظل سبيله، أضحى إثر ذلك، كإنسان ولد في عصر ليس بعصره، ويتضح شدوده هذا من خلال ملامحه وخصائصه الجسمية. وما لبث أن عدل في رئيته هذه بعد أن تبين له أن من المجريمين من لا يوجد في شجرة أصوله مجرمين والعكس صحيح فإعتبر الاستعداد الكامن للإجرام هو الذي يورث لا السلوك الإجرام نفسه، كما أكد على دور العوامل الخارجية واعتبرها مثيرات منشطة لهذا الاستعداد الإجرامي. المجرمون وفق هذه النظرية يمثلون نموذجا خاصا ينتقل بالوراثة ويمكن التعرف عليه من خلال الخصائص التشريحية التي تمثل إنحطاطا إما نفسيا أو عقليا أو بيولوجيا، وإن النموذج الكامل للشخص المجرم هو الذي يحتوي على خمس سمات انحطاطية أو أكثر، أما من يحمل مابين ثلاث إلى خمس سمات انحطاطية فهو يمثل النموذج الغير الكامل. هذا ويورد لمبروزو أن هذه السمات ليست السبب في الإجرام، وإنما صفات تميز المجرمين عن الأسوياء من الأفراد. وإن أهم الانتقادات التي وجهت لهذا الطرح هو كونه يقع في إشكالية التعميم، فمن خلال دراسة جزء من المجرمين، وصل الى هذه النتائج التي افترض جدلا أنها تنسحب على عامة المجرمين. هذا مع العلم بأن معالم مجتمع دراسته ليست بينة ومحددة ليتمكن من احتساب مدى تماثل العينة المدروسة مع المجتمع المسحوب منه.[١٤] أما جورنج Goring، فقد انطلق من رفضه لفكرة الإرتدادية في الجريمة أو التي عبر عنها لمبروزو بمفهوم " المجرم بالميلادج"، ومن خلال أبحاثه المقارنة بين المجرمين وغير المجرمين وجد ان المجرمين يتميزون ببعض الصفات الجسمية التي قد تنم عن نقص وراثي معين ومن هذه الصفات، مثلا، قصر القامة وقلة الوزن، خاصة بالنسبة لطائفة اللصوص. إنما قد يميزه هذا الطرح هو التأويل الذي يطرحه لتفسير علاقة النقص البدني برتكاب جريمة، مفاده: أن الأسوياء بدنيا يستطيعون اكتساب أرزاقهم بيسر، أما المصابين بالنقص فهم يميلون الى الأساليب الإجرامية للحصول على أرزاقهم. والملاحظ أن هذا التأويل وإن كان واضحا إلا أنه قد ينحو في اتجاه التفسير الغائي الذي عقب بل شكك فلاسفة علم مناهج البحث (Methodology) في قدرته على تفسير الظواهر الإجتماعية.[١٥] لم يبتعد " هوتون" عن هذا الطرح حين هم في ذكر عدد من الصفات الجسدية المميزة للمجرمين، حيث ذكر أن رقابهم طويلة ورقيقة، وأكتافهم مائلة وغير أفقية ... إلخ، غير أن " هوتون " لم يقدم دليل علمي موثوقا فيه على أن هذه الصفات التي إعتبرها انحطاطا يرجع يرجع للوراثة، فلما لا يكن مردها للعوامل أخرى خارجية مثل سوء التغدية أو إرجاعها الى خلل هرموني حدث نتيجة تعرض الجسم لعامل معين كأن يكون التعرض الى إشعاعات نووية أو نحوها خاصة في مرحلة ما قبل الميلاد. وفي عام 1949 م أصدر طبيب الأمراض العقلية وأستاذ علم النفس الأمريكي " وليم شليدون " كتابه " صنوف الشباب الجانح " الذي مال فيه الى الجانب النفس عند ماحولة تفسيره للسلوك الإجرامي تأثرا منه بتخصصه الأساسي، فقال: بوجود اختلاف في النماذج الجسدية والنفسية والمزاجية بين المجرمين وغيرهم ممن لم يجرموا، وخلص في نهاية المطاف لتأكيد وجود ثلاثة نماذج جسدية للمجرمين هي: النحيل ( ضعيف النمو العضلي والعضمي)، والممثلئ (ويتصف باستدارة الجسم والبشرة الملساء وضخامة الجهاز الهضمي وقصر الأطراف)، والنموذج القوي (وهو يتصف باكتمال البناء العظمي والعضلي وضخامة القامة). وتختلف في رأيه الجرائم حسب النماذج.[١٦] إنه، وإن بدى على هذا الطرح خروجه من الاشكالية التي وقع فيها " لمبروزو "، بنفيه وجود نموذج واحد للمجرمين عامة، إلا أنه لم يسلم من النقد الضارب في صميم النظرية التي يطرحها ومفاده: أنه وقع في خطأ التعميم، فضلا عن كونه لم يراع صعوبة تحديد معالم مجتمع دراسته الأمر الذي يجعل من الوصول الى عينة ممثلة أمر غاية في الصعوبة، [١٧] إن لم يكن مستحيلا وهذا مايجعل من نتائجه ضيقة الأفق محدودة في قدرة الإنسحاب على عامة المجرمين. ناهيك عن غفلته عن الفروق بين المجرمين من حيت الخطورة الإجرامية، فلم يميز من نموذجه الذي بناه بين المجرم بالخطأ والمجرم الآثم والمجرم العائد ...الخ.
الاتجاه الموضوعي في تفيسر الجريمة[عدل]
لقد تناونا فيما سبق الاسهامات التي سعت للبحث عن عوامل السلوك الإجرامي داخل المجرمين، اما في هذا الجزء الآتي سنتناول بالتحليل الاسهامات التي بحتث عن عوامل الإجرام الكامنة خارج المجرمين. هذا الاتجاه يضم خمس مدارس تحوي كل منها على نظريات مختلفة وهي: المدرسة الجغرافيا، الإقتصادية والاجتماعية، والاجتماعية السلوكية والاجتماعية الثقافية، وفيما يلي عرض موجز لهذه الاسهامات:
المدرسة الجغرافية (مدرسة الخرائط):[عدل]
لقد تطورت هذه المدرسة عن أعمال كل من " كاتيليا " " جيري " ، إذ استفاد الأخير من وظيفته كمدير للشؤون الجنائية في فرنسا في تكوين رؤية عن الجريمة مفادها: أن الجرائم الجنايات ضد الأشخاص تزيد في الصيف عنه في الشتاء وفي الجنوب عنه في الشمال أما المرتكبة ضد الأموال فهي على العكس، اي تزيد في الشتاء عنه في صيف وفي الشمال عنه في الجنوب، أما كاتيليا فقد طور قانونه المعروف بقانون ( الحرارة الاجرامية)، والذي مفاده أن هنالك علاقة طردية بين درجة الحرارة وارتفاع معدلات الجريمة بالمجتمع وقد خلص كليهما الى التأكيد على أن العوامل الجغرافية ذات دور في تفسير الظاهرة الإجرامية.[١٨] وجدير أن ننوه إلى أن المحاولات العلمية لإماطة اللثام عن أثر العوامل الجغرافية في السلوك البشري عموما، لم تبدأ من هذه النقطة ( من اسهامات من سبق ذكرهم)، بل قد ترجع إلى ما تقدم به العلامة " ابن خلدون " حين قدم شروحه حول تأثير المناخ على طبائع العمران والكثير من أحوالهم المعيشية وأمزجتهم وأخلاقهم. وعلى الرغم من إمكانية قبول الفرض الذي ينص على أن الظواهر الطبيعية تؤثر في السلوك الإنساني، والفعل الإجتماعي بوجه عام، وليس السالب منه أي الغير المنحرف والإجرامي، إلا أننا لا نستطيع القول: بأن هذه العوامل هي أسباب كافية لإرتكاب الأفراد الإجرام، وإن سلمنا بأن الحرارة إذا ما ارتفعت ترتفع معها الجرائم ضد الأشخاص وإن قلت إنحدرت إثرها الجرائم ضد الأشخاص وتزيد الجرائم ضد الأموال، فإن ذلك يحتاج إلى تفسير علمي منطقي. ولقد أثبت علم الاجتماع " دوركايم " بطلان هذه العلاقة عند دراسته لظاهرة الانتحار، وهذا ما سنتعرض له في المدرسة الاجتماعية. من هذه الانتقادات اهتم بعض الايكولوجين بدراسة الظاهرة الإجرامية من خلال استخدام الخرائط في التحليل الإحصائي الموقعي لحجم الجريمة، ويعتمد هؤلاء البحاث الخرائط الجغرافية لتحديد مناطق الاجرام، أو ماتسمى (بحاضنات الإجرام)، في مجتمع معين محلي، أو عام، ومن ثم يقومون بالتركيز على هذه المجتمعات دون غيرها بهدف الوقوف على تلك العوامل التي أدت إلى ارتفاع معدلات الجريمة بهذا المجتمع دون غيره وذلك من خلال تحليل خصائصه الاجتماعية والثقافية والجغرافيا. هذا ولقد ظهر فريق من العلماء قدموا طروحات تضمنت الأيكولوجية الاجتماعية وزاد الاهتمام بها في جامعة شيكاغو فتعددت الدراسات التي انساقت في اتجاه اختبار صحة فرضيات هذا التوجه النظري، ومن بين تلك الدراسات التي قام بها "جيري " بفرنسا، و"رواستون" بانجلترا وغيرها ... ولقد انتهت هذه الدراسات إلى تأكيد وجود علاقة بين بعض المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية، وارتفاع معدلات الجريمة، كالكثافة السكانية وسعة المدينة، وظاهرة الفقر، ونسبة التعليم، أما الدراسات الحديثة في هذا المجال فقد ركزت على مقارنة معدلات الإجرام في الأحياء وفق المستوى الاقتصادي بها، ومن مثل هذه الدراسة، أيضا، ما تقدم به " كليفارد شو "، والذي خلص منها للقول: بأن الأحياء تختلف في معدلات الجريمة بمدى ابتعادها أو قربها من المراكز الصناعية بالمدن، فكلما زادت المسافة الفاصلة بين المركز الصناعي والمنطقة، قل الإجرام في الأخيرة، وهذا يوحي بأن أعلى معدلات الإجرام تسجل في المناطق الحضرية ذات الطابع الصناعي، كذلك تظهر فيها أعلى نسبة من العود للجريمة ولقد أتنهى لتأكيد علاقة ما أطلق عليه " الجنوح الجماعي " بظاهرة الحياة الحضرية العصرية والتي تتسم بها المدن الكبيرة.
المدرسة الاقتصادية[عدل]
إن العوامل الاقتصادية من بين أهم العوامل التي أولها العديد من العلماء دوراً بارزاً في تحليلاتهم الاجتماعية التي قدموها لتفسير ما يعتري المجتمع من تغير وتبدل في أوضاعه المختلفة، ومن هذه العوامل توزيع العمالة، والدخل ونوع المهنة ومدى توافر السلع الاستهلاكية والأزمات الاقتصادية ... الخ. ومن أبرز هؤلاء العلماء " بونجر " الذي وسع تحليله عندما قدم طرحه في كتابه " الإجرام والأوضاع الاقتصادية " حيث أكد أن الإنسان يولد وهو مزود " بغرائز اجتماعية غيرية " تتأثر بما يتعرض الفرد من ظروف فإن كانت ملائمة زادت الغرائز قوة في ضبط السلوك وإن كانت العكس ضعفت الأمر الذي يدفعه إلى الإجرام بعد أن تسيطر عليه الأنانية وتحكم سلوكه.[١٩] على أي حال، فإن " بونجر " يعول على روح الأنانية التي تزرعها وترعرعها في نفوس الأفراد الظروف الاقتصادية السائدة في النظام الرأسمالي، بمعنى آخر، إن محصلة العيش في ظل النظام الرأسمالي تتلاشى الوازع الاجتماعي وروح الجماعة جراء النكبات الاقتصادية، وهذا ماقد يؤدي إلى إضعاف الولاء الاجتماعي مما ينكس سلباً على الانصياع لأوامر وسائل الضبط الاجتماعية فيقعون في الجريمة وهم على دراية تامة بأنهم يبدون سلوكا مجرما اجتماعياً، خاصة في ظل إلحاح الطموحات والحاجات المادية في عالم باتت المادة أساس الحياة بل معيار النجاح فيه. هذا ولقد انتهى " ولتر ملر " من دراسته لقبول الفرض الذي ينص على ارتباط جنوح الأحداث بالفقر أو (العوز الاقتصادي)، كما استطاع " ركلس " أن يطرح تفسيرا للقضية التي مفادها: لماذا أكثر المجرمين من الفقراء؟ تضاف إلى ما تقدم به " سذرلاند " حول اجرام ذوي الياقات البيضاء . فلقد طرح " ركلس " نظريته عن المجازفة الطبقية مؤكدا أن عملية المجازفة هذه تقوم على عوامل عدة أولها العمر والسلالة والعرق، كما أنه يبين أن الفرص أمام الأفراد في ظل النظام الرأسمالي ليست متساوية، فنجد أن الفقراء أو أبناء الطبقة الدنيا هم أقل حظا مما يجعلهم أكثر مجازفة ومغامرة من أبناء الطبقة الوسطى الذي هم أكثر مجازفة من أبناء الطبقة العليا، فهم يعتقدون أنهم إن لم يكسبوا شيئا من هذه المغامرة فإنهم لن يخسروا شيئا، عكس أبناء الطبقة العليا الذين سيخسرون الكثير إن فشلوا في مغامرتهم والتي قد لا تعود عليهم، إن نجحوا فيها بمنافع تضاهي خسارتهم إذ فشلوا، ونظرا لأن الفقراء لا يحظون بمكانة مرموقة في المجتمع مثل التي يحظى بها الأغنياء فإنهم يقعون بسهولة في قبضة السلطات ليودعون في السجن، هذا ناهيك عن عجز الغالبية عن توفير محامي دفاع على درجة من الحنكة القانونية كما يحدث مع الأغنياء. إن فكرة إرجاع الجريمة للعامل الاقتصادي كعامل أساسي هي قديمة، وبدأت تتضح في القرون الوسطى ثم قويت وتجلت في القرنين الثامن والتاسع عشر، ولقد تعددت الدراسات واختلفت وجهات النظر حتى تأثر بالصراع الفكري الدائر بين المذاهب السياسية و الاقتصادية في العالم ( الصراع هنا مقصود به الصراع بين الرأسمالية والماركسية) ولقد قدم " عدنان الدوري " تلخيصات لهذه الدراسات تمثل في حصرها بخمس مجموعات أساسية منها مثلا تلك المجموعة التي تركز على عوامل اقتصادية مثل المواسم والتقلبات في الأسعار، أيضا الدراسات التي ركزت على درجة عجز الفرد عن إشباع احتياجاته ودور ذلك في ارتكابه سلوك إجرامي بينما اهتمت مجموعة أخرى بمتغيرات مثل المهنة والدخل ومثل هذه الدراسات تلك التي قدمها " بونجيه " في ايطاليا وانتهى منها للقول بأن الجريمة تصل ذروتها في المهن التجارية وتنخفض كلما اتجهنا نحو المهن المرتبطة بالزراعة. أما المجموعة الأخرى من هذه الدراسات فقد اهتمت بمتغيرات منها البطالة وأثرها على معدلات الجريمة. وهذا ولقد نحى المنتمون إلى نظرية الصرع المحدثة ( الراديكاليون ) منحى معارض ومنتقد للنظام الرأسمالي وتوجهاته وأفكاره المتعلقة بالجريمة والقانون الجنائي محملين هذا النظام مسؤولية إجرام الأفراد، فهذا في رأي الراديكاليون يحوي بذرة الإجرام المتمثلة في صراع الطبقات، فهم يرون أن عدم توافر عدالة اجتماعية في توزيع وسائل الإنتاج بالمجتمع وبذا في مردود الإنتاج يزيد من قوة الطبقة البرجوازية ويضعف أكثر من شأن العمال الكادحين ومن حق هؤلاء الآخرين أن يحققوا لأنفسهم المكانة اللائقة ويكفوا عن انفسهم هذا الاضطهاد، وذلك بالثورة على النظام الرأسمالي، ولأن البرجوازية تعرف هذا الأمر فهي تسعى دوما إلى الحد من قوة هذه الفئة بسن القوانين وتشريع القرارات وفرض الضرائب عليهم، ووفقا لهذا التصور يكون المجرم عبارة عن: ثائر على التعسف الرأسمالي ولا يمكن النظر إليهم على أنه شخص خارجا عن النظام الأخلاقي المعمول به في المجتمع. ولا يبدو عمق الغور في التفسير الذي يطرحه أنصار الاتجاه الراديكالية لظاهرة الجريمة، وآية ذلك أن الجريمة ظاهرة عامة تنتشر في سائر المجتمعات، وإن تباينت معدلاتها، فلا يبدو واضحا ارتباطها الشرطي بالنظام الرأسمالي، في الوقت نفسه لا يمكن تصور جميع مجتمعات العالم تعتمد النظام الرأسمالي، في الوقت نفسه لا يمكن تصور جميع مجتمعات العالم تعتمد النظام الرأسمالي، ومن هنا يتجلى قصور هذه النظرية لظاهرة الجريمة عن تفسير سائر أنماطها وبكافة أرجاء المعمورة إذا ترتكز آراء هذا الفريق على انتشار مبادئ وأسس الرأسمالية في النظام الاقتصادي للمجتمع، ومعلوم أن الجريمة توجد ليس فقط في هذه المجتمعات الريفية التي تعتمد على مصادر طاقة في الإنتاج جد تقليدية. هذا، وتجدر الإشارة إلى أن الركون إلى العامل الاقتصادي وحده لم يسوغ للبحاث سبر غور السلوك الإجرامي، فالفقر أو العوز الاقتصادي قد لا يكون سببا كاف لتفسير هذا السلوك ولو كان الفقر هو العامل الأساسي للجريمة لا ما أمكن تفسير ارتفاع معدلات الجريمة في دول العالم الغربي، ولو كان فعلا الفقر هو سبب الجريمة لما بقي خارج أسوار السجون فقيراً، أما الأنانية التي يخلقها النظام الرأسمالي فهي وحدها قد لا تكفي لتفسير كل أنواع السلوك غير الاجتماعي المنحرف منه والإجرامي. ومع ذلك كله تبقى لهذه العوامل أهميتها في فهم السلوك الإجرامي والظاهرة الإجرامية عموما.
المراجع[عدل]
- ↑ نحو علم الاجتماع الجريمة والانحراف في الجزائر، سواكري الطاهر ، مجلة الآداب والعلوم الاجتماعية ،المجلد 3، العدد 1، الصفحة 83-105،، تاريخ النشر :01 - 03 - 2010 م.
- ↑ ٢٫٠ ٢٫١ عايدة عبد الفتاح، عدلي السمري، امال عبد الحمي، طلعت لطفي، علم اجتماع الجريمة والانحراف، عمان: دار المسيرة, 2010 ط1
- ↑ مين مصطفى محمد، مبادئ علم الاجرام: الظاهرة الاجرامية بين التحليل والتفسير، الاسكندرية: دار الجامعة الجديدة, 2008
- ↑ غادة عبدالرحمن الطريف، اسماء التويجري، علم اجتماع الجريمة والانحراف، مكتبة المتنبي، 2019
- ↑ خطأ: لا توجد وحدة بهذا الاسم "citation/CS1".
- ↑ د. حسن إسماعيل عبيد، سوسيولوجيا الجريمة، ، شركة ميدلات المحدودة، لندن، 1993، ص 108.
- ↑ د. محمد زكي أبو عامر: دراسة في علم الإجرام و العقاب، الدار الجامعية للطباعة و النشر، بيروت، 1981، ص 45.
- ↑ خطأ: لا توجد وحدة بهذا الاسم "citation/CS1".
- ↑ إميل دوركهايم، دروس في سوسيولوجيا الجريمة، فلاماريون، 2022، ص 371
- ↑ Voir Daniel Lagache introduction psychologique à la criminologie ( public par ghenyer et (J) pinatel sous le titre : l’examen médio psychologique et social des délin Quants) PP. 155 et savants paris 1952.
- ↑ مؤلف الجرائم والعقوبات المنشور عام 1964 مصطفى العوجي ص، 150 وما بعدها
- ↑ أنظر أحمد محمد خليفة. النظرية العامة للتجريم ص، 81 وما بعدها
- ↑ 63 -مصطفى العوجي، مؤلف الجرائم والعقوبات المنشور عام 1923 ص، 121 وما بعدها.
- ↑ علي محمد جعفر، اإلجرام وسياسة مكافحته، دار النهضة العربية، 1994 ،ص 2
- ↑ عبد الله عبد الغني غانم، علم الاجتماع الجنائي اإلسلامي، الكتاب الأول، الجريمة من المنظور اإلسلامي، المكتب الجامعي الحديث، إسكندرية، 1993 ،ص 4
- ↑ عدنان الدوري، أسباب الجريمة وطبيعة السلوك اإلجرامي، الكتاب الأول، أصول اإلجرام، مطبوعات جامعة الكويت، 1924 ،ص 131-188 ص
- ↑ عدنان الداودي، مرجع سابق، ص ص 149-131.
- ↑ عبد الرحمان بن محمد بن خلدون، المقدمة، اإلعلام للطباعات )بيروت(، ص ص 28-119.
- ↑ مصطفى عمر التير، السجون كمؤسسة اجتماعية " دراسة آلراء واتجاهات المسجون"، معهد الانماء العربي بيروت، ص 88
خطأ لوا في package.lua على السطر 80: module 'Module:Navbar/configuration' not found. خطأ لوا في package.lua على السطر 80: module 'Module:Navbar/configuration' not found.
خطأ لوا في package.lua على السطر 80: module 'Module:Navbar/configuration' not found. خطأ لوا في package.lua على السطر 80: module 'Module:Navbar/configuration' not found.
خطأ لوا في package.lua على السطر 80: module 'Module:Navbar/configuration' not found. خطأ لوا في package.lua على السطر 80: module 'Module:Navbar/configuration' not found.
خطأ لوا في وحدة:Sisterlinks على السطر 38: attempt to index field 'wikibase' (a nil value).
خطأ: لا توجد وحدة بهذا الاسم "Portal".
This article "علم اجتماع الجريمة" is from Wikipedia. The list of its authors can be seen in its historical and/or the page Edithistory:علم اجتماع الجريمة. Articles copied from Draft Namespace on Wikipedia could be seen on the Draft Namespace of Wikipedia and not main one.